الرسالة الخامسة
صفحة 1 من اصل 1
الرسالة الخامسة
حبيبتي الغالية ...
أمي، والعصا التي أتوكأ عليها، وصديقتي التي تحمل كل أسراري حتى تلك التي لا يعرفها أقرب الناس إلي. تحيتي إليك حيث أنتِ، وكيف كنتِ .. متمنياً أن يصلك هذا الخطاب ليجدك بخير كما أتمنى لكِ دائماً.
غمني ما غمكِ من نبأ انفصال جارتك التي تسكن في الطابق العلوي عن زوجها. ولا بد أنك حزينة عليها جداً، ولكِ أن تحزيني يا حبيبتي ... فمصائب الناس لا تفرح إلا من ران على قلبه. ولتعلمي أن الحب الذي غمرهما ذات يوم سوف يستحيل إلى كتلة من الكراهية يتقاذفان بعضهما بهما إن هما لم يتحليا بالكثير من الشفافية والتحضر. كي لا يستحيل انفصالهما إلى ارتباط من النوع المرهق الذي يسعى كل منهما فيه إلى تشويه الآخر لتلميع نفسه. فكوني إلى جانبها، فهي أشد ما تحتاجك الآن. أعلم أنك تعلمين ما يتوجب عليك فعله تجاهها ، فأنت أهل لكل ما تقومين به ولا تنقصك المعرفة بالواجب أيتها أصيلة.
بالأمس، استلمت خطاباً من مديري المباشر بالترقية .. وكم كانت فرحتي غامرة عندما تسلمت الخطاب. كنت أود أن أعود إلى المنزل لأجدك تستقبلينني بذات الفرحة التي أجدها في عينيك كل يوم، أن آخذك بين ذراعي وأقبلك بحجم فرحتي، وأن أعلق الخطاب على صدرك فأنت من كنت سبباً في هذا الانتصار المهني. كل يوم يمر علينا ونحن معاً أؤمن أنني لم أخطأ عندما سلمتك مفاتيح قلبي. وأتساءل كيف كنت لأبدو بدونك؟ سوف نحتفل سوياً بهذه المناسبة دون شك، سأشتري شموعاً بعدد سنوات عشقنا، وبعضاً من الحلوى. ولا أريد منك إلا أن ترتدي ذات الفستان الذي ترتدينه كل مرة عندما نحتفل بشيء جديد. فأنت تبدين رائعة في اللون (البمبي).
عن جاري الجديد (التحفة) الذي خبرتك عنه في الخطاب السابق. فقد سكن إلى جواري شخص يشعرك بالحميمية وبأنك تعرفينه منذ أمد بعيد. جاء لزيارتي بعد أن طرق الباب في كل أدب. وعندما أدخلته، جلس دون أن أشير إليه إلى المكان الذي أرغب أن يجلس فيه. بهرته الكرة التي تطلق الدخان الأزرق في زاوية الغرفة. وبحث لبرهة عن مصدر صوت مصطفى سيد أحمد وهو يغني بصوتٍ خافتٍ دافئ: "سمحة وسمرية .. محبوبتي ولفتاتها غزال" حتى اكتشف جهاز الاستريو أعلى حاملة الكؤوس البيضاء. ولوحة مصارع الثيران الإسباني أعلى جهاز التكييف، كما أعجبته صورتك التي أعلقها أعلى سريري الذي أنام عليه. سألني بفضول غير محرج : "من هذه؟ أختك؟" فأجبته بكل فخر : "إنها الفتاة التي أحب" غمغم بكلمات لم أسمعها ، ولكن لا بد أنها كانت إطراءاً خجولاً. تعرفين أننا لم نصل لديهم هذه المرحلة بعد.
هذا الجار (التحفة) جاء هارباً من جحيم العاصمة وضوضائها باحثاً عن الهدوء. إنه شخص وسيم، فارع الطول، ذو سمرة محببة، وأجمل ما فيه أنه يجيد العزف على العود. تقاطعنا سوياً في عشقنا لمصطفى سيد أحمد، غير أنه لا يتذوق الشعر. لا بأس فقد أخبرته بمواعيد عودتي من العمل. هو شاب طيب القلب، شفيف الدواخل، أجمل لحظاته عندما يحتسي كأس نبيذه التي لا تفارقه. لا أتعاطى الخمر، فأنت تعرفينني جيداً، غير أني لا أمانع أن أجالس المختمرين.
تلك الليلة عندما شرب الكأس الثالثة، قال لي وهو يلوح بيديه المتأرجحتين: "أتدري يا هشام هنالك الكثير مما أريد أن أخبرك به" وهكذا هم السكارى يبحثون عن فرصة ليفرغوا ما في بطونهم من مواجع وآلام تؤرقهم. وهم عندها يكونون في أصدق حالاتهم وأكثرها شفافية. ماذا حكى لي الجار السكير ؟ هذا ما سوف أورده لك بالتفصيل في الرسالة القادمة بإذن الله.
إلى أن ألتقيك مشرقة كما أنتِ قبلاتي التي لا تنتهي إلى ما بين عينيك. وسلامي الممتد إلى أهلك الكرام
admin- Admin
- عدد الرسائل : 519
الموقع : https://beja.yoo7.com
الدولة : النرويج
تاريخ التسجيل : 23/11/2008
"الورقة الشخصية"
"الورقة الشخصية" :: 1
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى