أرتريا : الطبيعة .. الطبيعة فى أبهى مناظرها:
صفحة 1 من اصل 1
أرتريا : الطبيعة .. الطبيعة فى أبهى مناظرها:
أرتريا : الطبيعة .. الطبيعة فى أبهى مناظرها:
ستصاب بالدهشة بلا ادني شك عند اول زيارة لك لارتريا وسوف تثير فيك الدهشة تلك المناظر الطبيعية الخلابة التي اودعها الله هذا البلد الصغير ، وسواء كنت قادماً عبر الجو أو البحر أو البر ستجذبك بكارة الارض واللون الاخضر اينما اتجهت.. والسحب الكثيفة في حركة ديناميكية تصعد وتهبط .. تغدو وتروح في الهضاب بين التلال الخضراء ...!! سوف تستمتع بالمغامرة في المنحنيات الجبلية الشاهقة واسفل الصدوع الصخرية ، وسوف تصاب بالدهشة مرة اخري وانت تتسلق الجبال الخضراء او تهبط منها بابداع الانسان الارتري في صناعة تلك المنعطفات التي احكم بنائها وسط تلك الصخور ، حتي اصبحت طرق ملفوفة مع انك تجد نفسك وكانك معلق في الهواء وانت في قمم الجبال كما لا يخطر ببالك انك ستصعد تلك الجبال وانت في الوديان السحيقة في قاع الجبال . انها لحظة متعة وانت داخل تلك السحب الكثيفة وهي تزحف معك كانها الدخان والهواء النقي المنعش سيجعلك تحس بسعادة ومتعة لم تتخيلها من قبل .
وفي الهضبة ستجد السهول الوديعة الساحرة وقطعاناً من الابقار والماعز تتوزع هنا وهناك في منظر بديع والرعاة من الاطفال تعلو شفاههم بسمة البراءة تسر الناظرين ومدرجات التين الشوكي في الجبال مصحوبة بالاشجار الخضراء ... اشجار البان المتناثرة في شكل مجموعات في المرتفعات ، والغابات الكثيفة في القاش و.. و...
ثم تحرك الوفد قاصداً منطقة (كعلاى) التى تنتشر فيها أشجار الدوم بكثافة شديدة وهى – أى اشجار الدوم- تقل تدريجياً كلما توغلت الى الداخل حتى تصل الى منطقة أغردات.. وعند تمام الرابعة عصراً وصل الوفد مدينة (أغردات ) بعد ان قطعنا مسافة 67 كيلومتراً على طريق الأسفلت الذى يشق الجبال وينبسط ممتداً على السهول وقد وضعت عليه بعض المزلقانات التى تسهل انسياب الماء المنحدر من المرتفعات الأرترية المنتشرة على طول الطريق وتحيط به من كل جانب حتى وصلنا كبرى مشيد على (خور بركة) الشهير والذى يقطع مسافات من الجنوب الى الشمال حتى يصل الى منطقة طوكر ...
وهكذا تتواصل الرحلة حتى تصل الى منطقة (عدردى) حيث تودع بعدها اقليم (القاش بركة) .. وحيث يبدأ بعدها اقليم (عنسبا) وعاصمته (كرن) .. وكلمة عنسبا تعنى (عين سبأ) .. ولعلنى اعرج هنا الى التقسيم الأدارى فى دولة ارتريا والتى تتكون من ستة أقاليم ذكرت منها اثنين والأربعة الأخرى هى .. الأقليم الأوسط وعاصمته (أسمرا) والأقليم الجنوبى وعاصمته (مندفرا) والتى تشتهر بمزارع القمح والشعير والطاف الذى تصنع منه الكسرة الحبشية .. وفي الأقليم -كذلك- توجد مدينة (سنعفى) أو (صنعفى) التى اشتق اسمها من صنعاء وبها بقايا آثار مملكة أكسوم التى هى امتداد لمملكة سبأ.. كما هو معلوم.
أما الأقليمين الآخرين وهما فى الساحل الشمالى اقليم شمال البحر الأحمر وعاصمته (مصوع) وهى الميناء الرئيسى .. واقليم جنوب البحر الأحمر وعاصمته (عصب) وهى ميناء أيضاً.
عودة مرةً أخرى الى اقليم (عنسبا) والذى تتواصل منه رحلتنا وأول مدينة تلتقيها هناك هى (حقاز) وربما حتى هذه النقطة لاتشعر بالفرق الكبير بين السودان وارتريا من حيث التشابه فى القرى الحدودية فى كلا البلدين وكذلك المناخ .. بيد انه يبدأ الفرق فى كل شىء ابتداءاً من المناخ اضافةً الى كثرة الجبال والطرق الملتوية وكثرة الكنائس والمبانى الحجرية العتيقة جنباً الى جنب مع المبانى الحديثة ..
وبعد مسيرة 81 كيلومتراً من أغردات دخلنا مدينة (كرن) والتى تميزها الكاتدرائية الضخمة فى قلب المدينة هى منذ (سانتا أنطونيو) فى عهد الطليان.
ووقفنا على المسجد الكبير المكون من طابقين يخصص الطابق العلوى منه مصلىً للنساء وطابق تحت الأرض عبارة عن مدارس قرآنية ومركز تجارى ملحق به.. ليستمتع به أكثر من ثمانين ألفاً هم تعداد سكان مدينة كرن تقريباً.
المسجد الضخم المكوَن من طابقين ومئذنتين والذى يحتل مساحة 1500 متر مربع بدأ العمل فيه العام 2006 وسيكتمل بناؤه مطلع 2008م هو ممول من الحكومة القطرية .. ولعله بذلك يعد أكبر مسجد على مستوى أرتريا كلها ...
وكرن مدينة جميلة ونظيفة .. تترآءى وكأنها نحتت من الجبن..!! تتميز أبنيتها بالبساطة والأناقة أشبه ماتكون على الطراز الأوروبى .. وحتى القطاطى لها نكهة خاصة .. وتنتشر على الجبال فى شكل مدرجات يكسب المدينة طابعاً يميزها عما سواها .. وهذه تعد ميزة تفضيلية لتنشيط السياحة بين البلدين.. وهو مايعرف اصطلاحاً بــــ .. (Domestic Tourism)
وعند السادسة مساءاً خرجنا من كرن قبيل الغروب والشمس تلملم خيوطها الذهبية ايذاناً بوداع يومٍ سيظل فى الذاكرة.. والجو يزداد برودةً كلما تقدمنا والضباب يكسو قمم الجبال الشاهقة والتى بدأنا بالصعود اليها رويداً رويداًحتى وصلنا الى منطقة (عيلا برعت) .. وماأدراك ما عيلا برعت ..!! انها مدينةُ تكسوها الخضرة من كل جانب وتنتشر الزهور بجانبى الطريق المتعرج وهو يتلوى بينها يتسع حيناً ويضيق أحياناً والخضرة التى تملأ ناظريك لن تمر دون ان تمتلأ رئتيك بالهواء النقى والنسيم العليل .. انها عيلا برعت تلك المدينة الوادعة التى كانت مرعى خصب للأبقار البيضاء .. وهذه ترجمتها حسب افادات مرافقى الأرترى داخل العربة الأخ (عبدالحميد) .. وهى بحق جميلة وملهمة فهنيئاً لمن يسكن هذا البستان الكبير..!!
وهذا المنظر الأخاذ، منظر السحاب تحت الجبال يتكرر كثيرا وتراه وانت جالس بكل هدوء داخل العربة التى تمر بك من تسني الي اسمرا مرورا ببارنتو واغوردات وكرن وعدة مدن ارترية جميلة ولا بد من ربط الاحزمة لكل من لم يتعود علي مثل هذه المناظر لان الطريق معلق بين السماء والارض ويمر بالجبال كالافعي رغم ضيقه فى كثير من الأحيان.. وغالبا ما تكون المركبات لواري شحن في معظمها ولكن وكما يقولون: (السايقه واصله) ..! وتتواصل الرحلة والجو يزداد برودةً .. والجبال تزداد كثافةً وعلواً وتعرجاً مخيفاً .. وكأن العربة تمشى على حلزون ومن بداخلها واجمون خوفاً ولا أحد منهم يلتفت الى الهاويات السحيقة .. فمنهم من يعلق بأنها مثل جبال الهملايا أو هضبة التبت وبين من يتحدث بمعلوماته الجغرافية ومن يسرد معلوماته التاريخية عن دخول الجيش السودانى (كرن) : "و فى ثانية دخلن كرن".. وكيف انها شهدت نهاية الحرب العالمية الثانية.. وهكذا والعربة تئن أنيناً يقطع أزيزها صوت (مبارك حسن بركات) وهو يشدو بأغنيات الحقيبة الخالدة...
ياجوهر صدر المحافل
روحى معاك اتلطفى بها
وأحياناً أخرى يقطع صمتنا غناء عثمان حسين وهو يروى (قصتنا) مع بازرعة .. قصة للحقيقة .. قصة حب أقوى من الحقيقة.. ويرسل جواب للبلد :
لكل طائر مرتحل
عبر البحر .. قاصد الأهل
وقد حمله أشواقه الدفيقة .. للمحبوب
وللوطن .. لترابه وللدار الوريقة..!!
وكأنها تحكى وتدلل بذلك على عمق العلاقات الأخوية .. وشدة الأرتباط بين الشعبين الشقيقين وأزلية العلاقة التى تربطهما بكل عوامل التاريخ والجغرافيا...
وهكذا والعربة تواصل مسيرها حتى دخلنا منطقة (عدى تكليزان) ومنها بدأت رحلة التدحرج والأنحدار حتى قطعنا مسافة التسعين كيلومتراً المتبقية التى توصلنا الى (أسمرا) حتى دخلناها وهى مبللةُ بأمطار خفيفة وكأنها خارجة لتوها من حمام تغازل وتفتح أذرعها مرحبةً بالقادمين.. اذن نحن الآن فى (أسمرا) درة القرن الأفريقى .. أو روما الصغيرة (The Little Rome) كما يحلو للبعض تسميتها بذلك لأن الطليان كانوا قد بنوها على طراز (روما) عاصمتهم.. بل ليس هذا فحسب .. وانما حتى اسماء الشوارع والأحياء هى اسماء ايطالية مثل (كازاباندا طليان) و(ترافولو) وغيرها.
وأسمرا مدينة ساحرة ذات طقس مريح وطراز معمارى فريد مما جعل كاتباً يقول إنها مدينة صممها وبناها ثوار ويسكنها ثوار- فعندما أراد الإيطاليون الذين كانوا يستعمرون ارتريا بناء حاضرة لهم أسندوا الأمر فى مطلع القرن العشرين لعدد من المعماريين الشبان الذين كانوا يودون تغيير جميع الأنماط المعمارية السائدة فى أوربا آنذاك ووجدوا فرصتهم فى بناء أسمرا ولذا تجدها فريدة فى فنها المعمارى- ومن حسن حظ المدينة إنها وبعد ثلاثين سنة من حرب التحرير لم تدمر- وأول ما يسترعى انتباه الزائر النظافة فأسمرا بلد نظيفة للغاية مقارنة حتى بالعواصم الأوربية ..!!
النماذج المعمارية العتيقة – عادةً - لها سحر وألق خاص ووقع فى النفس البشرية انها في النهاية إبداعات هذه الاصابع الخلاقة.. وهو نوع من الاهتمام البديع للأنسان ...
بدأت هذه الاصابع الماهرة تستخدم المواد المحلية البسيطة جدا و التي لا تلفت لوحدها اهتمام اي انسان لتشكل منها نماذج فنية ذات قيمة جمالية وهي تضيف بذلك لتلك المواد البسيطة إمكانية العطاء و الفن... ويعطي ذلك الصنيع الانطباع بأن المادة لا تصبح غنية لوحدها.. وطالما كانت كذلك فهي لا تعطى الانسان انما الانسان هو الذي ينحتها، يرسمها، ينمنمها، يعجنها، يشكلها، يهبها هذا الثراء وهي البسيطة جدا والتافهة جدا أحيانا.. وإذا كان ذلك هو جانبا واحدا من حوار الوجود والفن فان هذه الاصابع الماهرة تمضي لتبدع – وان كانت لا تعقل مثل هذا النوع من التفلسف – تمضي لتبدع ألوانا من الأشكال او لتعيد لبعض الأشكال الموجودة بعض الجماليات الضائعة من خلال هذه النماذج الموجودة أمامنا ، هذه النماذج الهندسية المعمارية الموجودة في انحاء متفرقة من العالم وأخرجتها في أشكال غاية في الدقة و البناء وهكذا ترافقنا هندسة هذه الاصابع الماهرة حتي مسجد مصوع، كنيسة مصوع، مسجد اسمرا، مبني الفاتيكان في ايطاليا، قاعة افريقيا في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا، أعمدة روما، كنيسة دومو ميلانو، برج ايفل في باريس، اهرامات مصر، و البيت الأبيض الامريكى .. وغيرها من المعالم البارزة.
ستصاب بالدهشة بلا ادني شك عند اول زيارة لك لارتريا وسوف تثير فيك الدهشة تلك المناظر الطبيعية الخلابة التي اودعها الله هذا البلد الصغير ، وسواء كنت قادماً عبر الجو أو البحر أو البر ستجذبك بكارة الارض واللون الاخضر اينما اتجهت.. والسحب الكثيفة في حركة ديناميكية تصعد وتهبط .. تغدو وتروح في الهضاب بين التلال الخضراء ...!! سوف تستمتع بالمغامرة في المنحنيات الجبلية الشاهقة واسفل الصدوع الصخرية ، وسوف تصاب بالدهشة مرة اخري وانت تتسلق الجبال الخضراء او تهبط منها بابداع الانسان الارتري في صناعة تلك المنعطفات التي احكم بنائها وسط تلك الصخور ، حتي اصبحت طرق ملفوفة مع انك تجد نفسك وكانك معلق في الهواء وانت في قمم الجبال كما لا يخطر ببالك انك ستصعد تلك الجبال وانت في الوديان السحيقة في قاع الجبال . انها لحظة متعة وانت داخل تلك السحب الكثيفة وهي تزحف معك كانها الدخان والهواء النقي المنعش سيجعلك تحس بسعادة ومتعة لم تتخيلها من قبل .
وفي الهضبة ستجد السهول الوديعة الساحرة وقطعاناً من الابقار والماعز تتوزع هنا وهناك في منظر بديع والرعاة من الاطفال تعلو شفاههم بسمة البراءة تسر الناظرين ومدرجات التين الشوكي في الجبال مصحوبة بالاشجار الخضراء ... اشجار البان المتناثرة في شكل مجموعات في المرتفعات ، والغابات الكثيفة في القاش و.. و...
ثم تحرك الوفد قاصداً منطقة (كعلاى) التى تنتشر فيها أشجار الدوم بكثافة شديدة وهى – أى اشجار الدوم- تقل تدريجياً كلما توغلت الى الداخل حتى تصل الى منطقة أغردات.. وعند تمام الرابعة عصراً وصل الوفد مدينة (أغردات ) بعد ان قطعنا مسافة 67 كيلومتراً على طريق الأسفلت الذى يشق الجبال وينبسط ممتداً على السهول وقد وضعت عليه بعض المزلقانات التى تسهل انسياب الماء المنحدر من المرتفعات الأرترية المنتشرة على طول الطريق وتحيط به من كل جانب حتى وصلنا كبرى مشيد على (خور بركة) الشهير والذى يقطع مسافات من الجنوب الى الشمال حتى يصل الى منطقة طوكر ...
وهكذا تتواصل الرحلة حتى تصل الى منطقة (عدردى) حيث تودع بعدها اقليم (القاش بركة) .. وحيث يبدأ بعدها اقليم (عنسبا) وعاصمته (كرن) .. وكلمة عنسبا تعنى (عين سبأ) .. ولعلنى اعرج هنا الى التقسيم الأدارى فى دولة ارتريا والتى تتكون من ستة أقاليم ذكرت منها اثنين والأربعة الأخرى هى .. الأقليم الأوسط وعاصمته (أسمرا) والأقليم الجنوبى وعاصمته (مندفرا) والتى تشتهر بمزارع القمح والشعير والطاف الذى تصنع منه الكسرة الحبشية .. وفي الأقليم -كذلك- توجد مدينة (سنعفى) أو (صنعفى) التى اشتق اسمها من صنعاء وبها بقايا آثار مملكة أكسوم التى هى امتداد لمملكة سبأ.. كما هو معلوم.
أما الأقليمين الآخرين وهما فى الساحل الشمالى اقليم شمال البحر الأحمر وعاصمته (مصوع) وهى الميناء الرئيسى .. واقليم جنوب البحر الأحمر وعاصمته (عصب) وهى ميناء أيضاً.
عودة مرةً أخرى الى اقليم (عنسبا) والذى تتواصل منه رحلتنا وأول مدينة تلتقيها هناك هى (حقاز) وربما حتى هذه النقطة لاتشعر بالفرق الكبير بين السودان وارتريا من حيث التشابه فى القرى الحدودية فى كلا البلدين وكذلك المناخ .. بيد انه يبدأ الفرق فى كل شىء ابتداءاً من المناخ اضافةً الى كثرة الجبال والطرق الملتوية وكثرة الكنائس والمبانى الحجرية العتيقة جنباً الى جنب مع المبانى الحديثة ..
وبعد مسيرة 81 كيلومتراً من أغردات دخلنا مدينة (كرن) والتى تميزها الكاتدرائية الضخمة فى قلب المدينة هى منذ (سانتا أنطونيو) فى عهد الطليان.
ووقفنا على المسجد الكبير المكون من طابقين يخصص الطابق العلوى منه مصلىً للنساء وطابق تحت الأرض عبارة عن مدارس قرآنية ومركز تجارى ملحق به.. ليستمتع به أكثر من ثمانين ألفاً هم تعداد سكان مدينة كرن تقريباً.
المسجد الضخم المكوَن من طابقين ومئذنتين والذى يحتل مساحة 1500 متر مربع بدأ العمل فيه العام 2006 وسيكتمل بناؤه مطلع 2008م هو ممول من الحكومة القطرية .. ولعله بذلك يعد أكبر مسجد على مستوى أرتريا كلها ...
وكرن مدينة جميلة ونظيفة .. تترآءى وكأنها نحتت من الجبن..!! تتميز أبنيتها بالبساطة والأناقة أشبه ماتكون على الطراز الأوروبى .. وحتى القطاطى لها نكهة خاصة .. وتنتشر على الجبال فى شكل مدرجات يكسب المدينة طابعاً يميزها عما سواها .. وهذه تعد ميزة تفضيلية لتنشيط السياحة بين البلدين.. وهو مايعرف اصطلاحاً بــــ .. (Domestic Tourism)
وعند السادسة مساءاً خرجنا من كرن قبيل الغروب والشمس تلملم خيوطها الذهبية ايذاناً بوداع يومٍ سيظل فى الذاكرة.. والجو يزداد برودةً كلما تقدمنا والضباب يكسو قمم الجبال الشاهقة والتى بدأنا بالصعود اليها رويداً رويداًحتى وصلنا الى منطقة (عيلا برعت) .. وماأدراك ما عيلا برعت ..!! انها مدينةُ تكسوها الخضرة من كل جانب وتنتشر الزهور بجانبى الطريق المتعرج وهو يتلوى بينها يتسع حيناً ويضيق أحياناً والخضرة التى تملأ ناظريك لن تمر دون ان تمتلأ رئتيك بالهواء النقى والنسيم العليل .. انها عيلا برعت تلك المدينة الوادعة التى كانت مرعى خصب للأبقار البيضاء .. وهذه ترجمتها حسب افادات مرافقى الأرترى داخل العربة الأخ (عبدالحميد) .. وهى بحق جميلة وملهمة فهنيئاً لمن يسكن هذا البستان الكبير..!!
وهذا المنظر الأخاذ، منظر السحاب تحت الجبال يتكرر كثيرا وتراه وانت جالس بكل هدوء داخل العربة التى تمر بك من تسني الي اسمرا مرورا ببارنتو واغوردات وكرن وعدة مدن ارترية جميلة ولا بد من ربط الاحزمة لكل من لم يتعود علي مثل هذه المناظر لان الطريق معلق بين السماء والارض ويمر بالجبال كالافعي رغم ضيقه فى كثير من الأحيان.. وغالبا ما تكون المركبات لواري شحن في معظمها ولكن وكما يقولون: (السايقه واصله) ..! وتتواصل الرحلة والجو يزداد برودةً .. والجبال تزداد كثافةً وعلواً وتعرجاً مخيفاً .. وكأن العربة تمشى على حلزون ومن بداخلها واجمون خوفاً ولا أحد منهم يلتفت الى الهاويات السحيقة .. فمنهم من يعلق بأنها مثل جبال الهملايا أو هضبة التبت وبين من يتحدث بمعلوماته الجغرافية ومن يسرد معلوماته التاريخية عن دخول الجيش السودانى (كرن) : "و فى ثانية دخلن كرن".. وكيف انها شهدت نهاية الحرب العالمية الثانية.. وهكذا والعربة تئن أنيناً يقطع أزيزها صوت (مبارك حسن بركات) وهو يشدو بأغنيات الحقيبة الخالدة...
ياجوهر صدر المحافل
روحى معاك اتلطفى بها
وأحياناً أخرى يقطع صمتنا غناء عثمان حسين وهو يروى (قصتنا) مع بازرعة .. قصة للحقيقة .. قصة حب أقوى من الحقيقة.. ويرسل جواب للبلد :
لكل طائر مرتحل
عبر البحر .. قاصد الأهل
وقد حمله أشواقه الدفيقة .. للمحبوب
وللوطن .. لترابه وللدار الوريقة..!!
وكأنها تحكى وتدلل بذلك على عمق العلاقات الأخوية .. وشدة الأرتباط بين الشعبين الشقيقين وأزلية العلاقة التى تربطهما بكل عوامل التاريخ والجغرافيا...
وهكذا والعربة تواصل مسيرها حتى دخلنا منطقة (عدى تكليزان) ومنها بدأت رحلة التدحرج والأنحدار حتى قطعنا مسافة التسعين كيلومتراً المتبقية التى توصلنا الى (أسمرا) حتى دخلناها وهى مبللةُ بأمطار خفيفة وكأنها خارجة لتوها من حمام تغازل وتفتح أذرعها مرحبةً بالقادمين.. اذن نحن الآن فى (أسمرا) درة القرن الأفريقى .. أو روما الصغيرة (The Little Rome) كما يحلو للبعض تسميتها بذلك لأن الطليان كانوا قد بنوها على طراز (روما) عاصمتهم.. بل ليس هذا فحسب .. وانما حتى اسماء الشوارع والأحياء هى اسماء ايطالية مثل (كازاباندا طليان) و(ترافولو) وغيرها.
وأسمرا مدينة ساحرة ذات طقس مريح وطراز معمارى فريد مما جعل كاتباً يقول إنها مدينة صممها وبناها ثوار ويسكنها ثوار- فعندما أراد الإيطاليون الذين كانوا يستعمرون ارتريا بناء حاضرة لهم أسندوا الأمر فى مطلع القرن العشرين لعدد من المعماريين الشبان الذين كانوا يودون تغيير جميع الأنماط المعمارية السائدة فى أوربا آنذاك ووجدوا فرصتهم فى بناء أسمرا ولذا تجدها فريدة فى فنها المعمارى- ومن حسن حظ المدينة إنها وبعد ثلاثين سنة من حرب التحرير لم تدمر- وأول ما يسترعى انتباه الزائر النظافة فأسمرا بلد نظيفة للغاية مقارنة حتى بالعواصم الأوربية ..!!
النماذج المعمارية العتيقة – عادةً - لها سحر وألق خاص ووقع فى النفس البشرية انها في النهاية إبداعات هذه الاصابع الخلاقة.. وهو نوع من الاهتمام البديع للأنسان ...
بدأت هذه الاصابع الماهرة تستخدم المواد المحلية البسيطة جدا و التي لا تلفت لوحدها اهتمام اي انسان لتشكل منها نماذج فنية ذات قيمة جمالية وهي تضيف بذلك لتلك المواد البسيطة إمكانية العطاء و الفن... ويعطي ذلك الصنيع الانطباع بأن المادة لا تصبح غنية لوحدها.. وطالما كانت كذلك فهي لا تعطى الانسان انما الانسان هو الذي ينحتها، يرسمها، ينمنمها، يعجنها، يشكلها، يهبها هذا الثراء وهي البسيطة جدا والتافهة جدا أحيانا.. وإذا كان ذلك هو جانبا واحدا من حوار الوجود والفن فان هذه الاصابع الماهرة تمضي لتبدع – وان كانت لا تعقل مثل هذا النوع من التفلسف – تمضي لتبدع ألوانا من الأشكال او لتعيد لبعض الأشكال الموجودة بعض الجماليات الضائعة من خلال هذه النماذج الموجودة أمامنا ، هذه النماذج الهندسية المعمارية الموجودة في انحاء متفرقة من العالم وأخرجتها في أشكال غاية في الدقة و البناء وهكذا ترافقنا هندسة هذه الاصابع الماهرة حتي مسجد مصوع، كنيسة مصوع، مسجد اسمرا، مبني الفاتيكان في ايطاليا، قاعة افريقيا في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا، أعمدة روما، كنيسة دومو ميلانو، برج ايفل في باريس، اهرامات مصر، و البيت الأبيض الامريكى .. وغيرها من المعالم البارزة.
admin- Admin
- عدد الرسائل : 519
الموقع : https://beja.yoo7.com
الدولة : النرويج
تاريخ التسجيل : 23/11/2008
"الورقة الشخصية"
"الورقة الشخصية" :: 1
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى