المصائبُ والآلامُ.. حِكمٌ وأسرارٌ
صفحة 1 من اصل 1
المصائبُ والآلامُ.. حِكمٌ وأسرارٌ
المتأمل في حياة الناس يرى صنوفاً في البلاء؛ فهذا مبتلًى بفقد حبيب أو قريب، وذاك مبتلًى بمرض عضالٍ يقض مضجعه، وذاك مبتلًى بِدَيْنٍ يؤرق جفنه، وذاك مبتلًى بخسارة أودت بجميع ماله، وأقعدته على بساط الفقر والمسكنة، وذاك مبتلًى بأنواع من الهموم والغموم، وهلمَّ جرّا...
كما أن هناك أنواعاً من المصائب تقع على الأمة نحو الحروب، والجوائح السماوية، وما جرى مجراها.
والناس كل الناس معرضون لتلك المصائب، والابتلاءات، ولكن نظرة المؤمن الذي رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم - نبياً تختلف عن غيره ممن ينظر إلى تلك المصائب، والابتلاءات نظرة مجردة عما تنطوي عليه من الحكم والمصالح.
وكلما زاد علم الإنسان بالله وبأمره - زاد تعلقُه بالله، وقربُه منه، وتسليمُه له، والعكس؛ فإذا قلَّ العلم بالله وأمره اختلفت النظرة لما يقع في هذا الكون من بلايا ورزايا.
هذا وإن مسألة تعليل أفعال الله، وإثبات الحكمة فيها لمن أجلِّ مسائل التوحيد المتعلقة بالخلق والأمر، والشرع والقدر.
والحديث في هذا المقام لا يسمح بالتفصيل.
وقد اختلف الناس فيها على أقوال شتى، ولكنَّها ترجع إلى قولين:
أحدهما: قول نفاة الحكمة، ممن يرون أن الله - عز وجل - قدّر المقادير، وشرع الشرائع لغير علة، أو حكمة، بل فعل ذلك لمحض المشيئة، وصرف الإرادة.
الثاني: قول الجمهور الذين يثبتون الحكمة، وأنَّ لله في كل ما يقضيه حكمةً ورحمة.
وهذه الحكمة تتضمن شيئين:
أحدهما: حكمة تعود إليه - تعالى - يحبها ويرضاها.
والثاني: حكمة تعود إلى عباده؛ فهي نعمة عليهم يفرحون، ويلتذون بها.
وهذا يكون في المأمورات، والمخلوقات(1).
يقول ابن القيم - رحمه الله - مقرراً حكمة الله - تبارك وتعالى - فيما يقدره ويشرعه: "ولو ذهبنا نذكر ما يطلع عليه أمثالُنا من حكمة الله في خلقه لزاد ذلك على عشرة آلاف موضع مع قصور أذهاننا، ونقص عقولنا ومعارفنا، وتلاشيها، وتلاشي علوم الخلائق جميعهم كتلاشي ضوء السراج في عين الشمس، وهذا تقريب وإلاّ فالأمر فوق ذلك"(2).
وقال - رحمه الله -: "وكيف يتوهم ذو فطرة صحيحة خلاف ذلك، وهذا الوجود شاهد بحكمته، وعنايته بخلقه أتم عناية، وما في مخلوقاته من الحكمة، والمصالح، والمنافع، والغايات المطلوبة، والعواقب الحميدة - أعظم من أن يُحيطَ به وصفٌ، أو يحصرَه عقل؟!" (3).
وقال - رحمه الله -: "وجماع ذلك أن كمال الرب - تعالى - وجلاله، وحكمته، وعدله، ورحمته، وإحسانه، وحمده، ومجده، وحقائق أسمائه الحسنى - تمنع كون أفعاله صادرة منه لا لحكمة، ولا لغاية مطلوبة.
وجميع أسمائه الحسنى تنفي ذلك، وتشهد ببطلانه"(4).
هذا وإن الجهل بحكمة الله يأخذ صوراً شتى؛ وإن من أعظم ذلك قِلَّةَ اليقين بأن العاقبة للتقوى والمتقين؛ فهناك من إذا شاهد ما عليه المسلمون من الضعف والتمزق، والتشتت والتفرق، ورأى تسلط أعدائهم عليهم، ونكايتهم بهم - أيس من نصر الله، وقنط من عز الإسلام، واستبعد أن تقوم للمسلمين قائمة، وظن أن الباطل سيدال على الحق إدالة دائمة مستمرة يضمحل معها الحق.
فهذا الأمر جد خطير، وهو مما يعتري النفوس الضعيفة، التي رقّ إيمانها، وقلّ يقينها.
وهو مما ينافي الإيمان بالقدر، وهو دليل على قلةِ اليقين بوعد الله الصادق، والتفاتٌ إلى الأمور المحسوسة دون نظر إلى عواقب الأمور وحقائقها.
وإلاّ كيف يظن هذا الظن والله - عز وجل - قد كتب النصر في الأزل، وسبقت كلمته بأن العاقبة للتقوى وللمتقين، وأن جنده هم الغالبون، وهم المنصورون، وأن الأرض يرثها عباده الصالحون؟
فمن ظن تلك الظنون السيئة فقد ظن بربه السوء، ونسبه إلى خلاف ما يليق بجلاله، وكماله، وصفاته، ونعوته؛ فإن حمده، وعزته، وحكمته، وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يذل حزبه وجنده، وأن تكون النصرة والغلبة للمشركين.
فمن ظن ذلك فما عرفه، ولا عرف ربوبيته وملكه وعظمته؛ فلا يجوز في حقه - عز وجل - لا عقلاً ولا شرعاً أن يظهر الباطل على الحق، بل إنه يقذف بالحق على الباطل فإذا هو زاهق (5).
أما ما يشاهد من تسلط الكفار واستعلائهم - فإنما هو استعلاء استثنائي، وذلك استدراجٌ وإملاءٌ من الله لهم، وعقوبة للأمة المسلمة على بعدها عن دينها.
ثم إن سنة الله ماضية فـ (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ). [النساء: 123]، وهذه الأمة تذنب، فتعاقب بذنوبها عقوبات متنوعة منها ما مضى ذِكْرُه؛ كي تعود إلى رشدها، وتؤوب إلى ربها، فتأخذ حينئذ مكانها اللائق بها.
ثم إن هذه الأمة أمة مرحومة تعاقب في هذه الدنيا، حتى يخف العذاب عنها في الآخرة، أو يغفر لها بسبب ما أصابها من بلاء، أو يُتخذ منه شهداء.
هذا وإن من أعظم ما تتبين به الحكمة الإلهية ما يكون في خلق المصائب والآلام؛ ففي ذلك من الحكم ما لا يحيط بعلمه إلا الله -عز وجل- تلك الحكم التي تنطق بفضل الله، وعدله، ورحمته.
قال ابن القيم - رحمه الله -: "فالآلام والمشاق إما إحسان ورحمة، وإما عدل وحكمة، وإما إصلاح وتهيئة لخير يحصل بعدها، وإما لدفع ألم هو أصعب منها، وإما لتولدها عن لذات ونعم يولِّدها عنها أمر لازم لتلك اللذات، وإما أن تكون من لوازم العدل، أو لوازم الفضل والإحسان؛ فتكون من لوازم الخير التي إن عُطِّلت ملزوماتها فات بتعطيلها خيرٌ أعظمُ من مفسدة تلك الآلام.
والشرع والقدر أعدلا شاهد بذلك؛ فكم في طلوع الشمس من ألم لمسافر وحاضر، وكم في نزول الغيث والثلوج من أذى كما سماه الله بقوله:(إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ).[النساء: 102].
وكم في هذا الحر والبرد والرياح من أذى موجب لأنواع من الآلام لصنوف الحيوانات.
وأعظم لذات الدنيا لذة الأكل والشرب والنكاح واللباس والرياسة، ومعظم آلام أهل الأرض أو كلها ناشئة عنها، ومتولدة منها.
بل الكمالات الإنسانية لا تُنال إلاّ بالآلام والمشاق كالعلم، والشجاعة، والزهد، والعفة، والحلم، والمروءة، والصبر، والإحسان كما قال:
لولا المشقةُ ساد الناسُ كلُّهمُ *** الجودُ يُفْقرُ والإقدامُ قتَّالُ
وإذا كانت الآلام أسباباً لِلَذَّاتٍ أعظم منها وأدوم ـ كان العقل يقضي باحتمالها"(6).
إلى أن قال - رحمه الله -: "وقد حجب الله - سبحانه - أعظم اللذات بأنواع المكاره، وجعله جسراً موصلاً إليها كما حجب أعظم الآلام بالشهوات واللذات، وجعلها جسراً موصلاً إليها.
ولهذا قالت العقلاء قاطبة: إن النعيم لا يدرك بالنعيم، وإن الراحة لا تنال بالراحة، وإن مَنْ آثر اللذات فاتته اللذات؛ فهذه الآلام والأمراض والمشاق من أعظم النعم؛ إذ هي أسباب النِّعم.
كما أن هناك أنواعاً من المصائب تقع على الأمة نحو الحروب، والجوائح السماوية، وما جرى مجراها.
والناس كل الناس معرضون لتلك المصائب، والابتلاءات، ولكن نظرة المؤمن الذي رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم - نبياً تختلف عن غيره ممن ينظر إلى تلك المصائب، والابتلاءات نظرة مجردة عما تنطوي عليه من الحكم والمصالح.
وكلما زاد علم الإنسان بالله وبأمره - زاد تعلقُه بالله، وقربُه منه، وتسليمُه له، والعكس؛ فإذا قلَّ العلم بالله وأمره اختلفت النظرة لما يقع في هذا الكون من بلايا ورزايا.
هذا وإن مسألة تعليل أفعال الله، وإثبات الحكمة فيها لمن أجلِّ مسائل التوحيد المتعلقة بالخلق والأمر، والشرع والقدر.
والحديث في هذا المقام لا يسمح بالتفصيل.
وقد اختلف الناس فيها على أقوال شتى، ولكنَّها ترجع إلى قولين:
أحدهما: قول نفاة الحكمة، ممن يرون أن الله - عز وجل - قدّر المقادير، وشرع الشرائع لغير علة، أو حكمة، بل فعل ذلك لمحض المشيئة، وصرف الإرادة.
الثاني: قول الجمهور الذين يثبتون الحكمة، وأنَّ لله في كل ما يقضيه حكمةً ورحمة.
وهذه الحكمة تتضمن شيئين:
أحدهما: حكمة تعود إليه - تعالى - يحبها ويرضاها.
والثاني: حكمة تعود إلى عباده؛ فهي نعمة عليهم يفرحون، ويلتذون بها.
وهذا يكون في المأمورات، والمخلوقات(1).
يقول ابن القيم - رحمه الله - مقرراً حكمة الله - تبارك وتعالى - فيما يقدره ويشرعه: "ولو ذهبنا نذكر ما يطلع عليه أمثالُنا من حكمة الله في خلقه لزاد ذلك على عشرة آلاف موضع مع قصور أذهاننا، ونقص عقولنا ومعارفنا، وتلاشيها، وتلاشي علوم الخلائق جميعهم كتلاشي ضوء السراج في عين الشمس، وهذا تقريب وإلاّ فالأمر فوق ذلك"(2).
وقال - رحمه الله -: "وكيف يتوهم ذو فطرة صحيحة خلاف ذلك، وهذا الوجود شاهد بحكمته، وعنايته بخلقه أتم عناية، وما في مخلوقاته من الحكمة، والمصالح، والمنافع، والغايات المطلوبة، والعواقب الحميدة - أعظم من أن يُحيطَ به وصفٌ، أو يحصرَه عقل؟!" (3).
وقال - رحمه الله -: "وجماع ذلك أن كمال الرب - تعالى - وجلاله، وحكمته، وعدله، ورحمته، وإحسانه، وحمده، ومجده، وحقائق أسمائه الحسنى - تمنع كون أفعاله صادرة منه لا لحكمة، ولا لغاية مطلوبة.
وجميع أسمائه الحسنى تنفي ذلك، وتشهد ببطلانه"(4).
هذا وإن الجهل بحكمة الله يأخذ صوراً شتى؛ وإن من أعظم ذلك قِلَّةَ اليقين بأن العاقبة للتقوى والمتقين؛ فهناك من إذا شاهد ما عليه المسلمون من الضعف والتمزق، والتشتت والتفرق، ورأى تسلط أعدائهم عليهم، ونكايتهم بهم - أيس من نصر الله، وقنط من عز الإسلام، واستبعد أن تقوم للمسلمين قائمة، وظن أن الباطل سيدال على الحق إدالة دائمة مستمرة يضمحل معها الحق.
فهذا الأمر جد خطير، وهو مما يعتري النفوس الضعيفة، التي رقّ إيمانها، وقلّ يقينها.
وهو مما ينافي الإيمان بالقدر، وهو دليل على قلةِ اليقين بوعد الله الصادق، والتفاتٌ إلى الأمور المحسوسة دون نظر إلى عواقب الأمور وحقائقها.
وإلاّ كيف يظن هذا الظن والله - عز وجل - قد كتب النصر في الأزل، وسبقت كلمته بأن العاقبة للتقوى وللمتقين، وأن جنده هم الغالبون، وهم المنصورون، وأن الأرض يرثها عباده الصالحون؟
فمن ظن تلك الظنون السيئة فقد ظن بربه السوء، ونسبه إلى خلاف ما يليق بجلاله، وكماله، وصفاته، ونعوته؛ فإن حمده، وعزته، وحكمته، وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يذل حزبه وجنده، وأن تكون النصرة والغلبة للمشركين.
فمن ظن ذلك فما عرفه، ولا عرف ربوبيته وملكه وعظمته؛ فلا يجوز في حقه - عز وجل - لا عقلاً ولا شرعاً أن يظهر الباطل على الحق، بل إنه يقذف بالحق على الباطل فإذا هو زاهق (5).
أما ما يشاهد من تسلط الكفار واستعلائهم - فإنما هو استعلاء استثنائي، وذلك استدراجٌ وإملاءٌ من الله لهم، وعقوبة للأمة المسلمة على بعدها عن دينها.
ثم إن سنة الله ماضية فـ (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ). [النساء: 123]، وهذه الأمة تذنب، فتعاقب بذنوبها عقوبات متنوعة منها ما مضى ذِكْرُه؛ كي تعود إلى رشدها، وتؤوب إلى ربها، فتأخذ حينئذ مكانها اللائق بها.
ثم إن هذه الأمة أمة مرحومة تعاقب في هذه الدنيا، حتى يخف العذاب عنها في الآخرة، أو يغفر لها بسبب ما أصابها من بلاء، أو يُتخذ منه شهداء.
هذا وإن من أعظم ما تتبين به الحكمة الإلهية ما يكون في خلق المصائب والآلام؛ ففي ذلك من الحكم ما لا يحيط بعلمه إلا الله -عز وجل- تلك الحكم التي تنطق بفضل الله، وعدله، ورحمته.
قال ابن القيم - رحمه الله -: "فالآلام والمشاق إما إحسان ورحمة، وإما عدل وحكمة، وإما إصلاح وتهيئة لخير يحصل بعدها، وإما لدفع ألم هو أصعب منها، وإما لتولدها عن لذات ونعم يولِّدها عنها أمر لازم لتلك اللذات، وإما أن تكون من لوازم العدل، أو لوازم الفضل والإحسان؛ فتكون من لوازم الخير التي إن عُطِّلت ملزوماتها فات بتعطيلها خيرٌ أعظمُ من مفسدة تلك الآلام.
والشرع والقدر أعدلا شاهد بذلك؛ فكم في طلوع الشمس من ألم لمسافر وحاضر، وكم في نزول الغيث والثلوج من أذى كما سماه الله بقوله:(إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ).[النساء: 102].
وكم في هذا الحر والبرد والرياح من أذى موجب لأنواع من الآلام لصنوف الحيوانات.
وأعظم لذات الدنيا لذة الأكل والشرب والنكاح واللباس والرياسة، ومعظم آلام أهل الأرض أو كلها ناشئة عنها، ومتولدة منها.
بل الكمالات الإنسانية لا تُنال إلاّ بالآلام والمشاق كالعلم، والشجاعة، والزهد، والعفة، والحلم، والمروءة، والصبر، والإحسان كما قال:
لولا المشقةُ ساد الناسُ كلُّهمُ *** الجودُ يُفْقرُ والإقدامُ قتَّالُ
وإذا كانت الآلام أسباباً لِلَذَّاتٍ أعظم منها وأدوم ـ كان العقل يقضي باحتمالها"(6).
إلى أن قال - رحمه الله -: "وقد حجب الله - سبحانه - أعظم اللذات بأنواع المكاره، وجعله جسراً موصلاً إليها كما حجب أعظم الآلام بالشهوات واللذات، وجعلها جسراً موصلاً إليها.
ولهذا قالت العقلاء قاطبة: إن النعيم لا يدرك بالنعيم، وإن الراحة لا تنال بالراحة، وإن مَنْ آثر اللذات فاتته اللذات؛ فهذه الآلام والأمراض والمشاق من أعظم النعم؛ إذ هي أسباب النِّعم.
colamtw- عدد الرسائل : 12
تاريخ التسجيل : 09/01/2009
"الورقة الشخصية"
"الورقة الشخصية" :: 1
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى